تعرف نوبات الهلع بأنها وضعية مؤقتة من عدم الثبات تظهر في صورة هزات مفاجئة تتم اضطراباً عاماً في الأشياء وهلعاً لدى الناس (بدرجات متفاوتة)، ففي نوبة الهلع يصدر عدم اتزان مفاجئ.
ومن شدة المفاجأة على الارجح لا يمكنه العليل أن يحدد نوعية مطلع التوتر أهو في جهازه السيكولوجي أم في أعضاء جسمه، وكل ما يذكره أن دقات قلبه أصبحت سريعة بشكل كبيرً، أو وقع انخفاض مفاجئ في الفؤاد وأنه قد تبطل أو كاد أن يتوقف، وأن التنفس بات قصيراً ومتقطعاً، وأنه لا يكاد يأخذ هواء كافياً خلال التنفس، ويصبح الجسم (خاصة الأطراف والجبهة) بارداً مع عرق منخض الحرارة يغطيه وتقلصات في أعلى البطن، وضعف في عضلات القدمين واليدين حتى يشعر العليل أنه لا يكاد يقف على قدمه أو يفعل أي شيء بيديه، مع رغبة مكررة في التبول.
كما يشعر العليل بأنه لا يمكنه عمل أي شيء في تلك الوضعية، فهو كما يصف أشبه بعمارة انهارت فجأة. ويصاحب هذا موجة من الرهاب المفاجئ القوي (الهلع)، ويشعر العليل أنه سيموت حالاً، ولذلك يعمل على يحتمي بمن حوله أو يسرع إلى أي طبيب أو مستشفي قريب، وربما يذهب بملابس البيت من شدة الهلع فليس يملك وقت ليرتدي ملابس الذهاب للخارج. وتمكث الوضعية دقائق العديد من ونادراً ما تتواصل ساعات ثم تنتهي ولكن يوجد الرهاب لدى العليل من توالي حدوث تلك الوضعية وخوف العليل من السفر أو الذهاب للخارج إلى الأماكن العامة خشية حدوث تلك الوضعية في موضع لا تتيسر فيه عملية التخليص التي يحتاجها أو يتعذر عليه الاستحواذ على الدفاع والإعانة، فيتجنب أماكن البيع والشراء والأماكن المزدحمة والطائرات والقطارات، وهنا يضاف إلى تلك النوبات عدم اتزان آخر يسمى "خوف الساحة" أي الرهاب من الذهاب للخارج إلى الأماكن العامة خشية حدوث الوضعية في وضع يجعل العليل يفقد إحكام القبضة على ذاته فيصبح في موجة من الخجل في مواجهة الناس أو أنه لا يمكنه أن يجد العون من أحد المقربين منه، فيفضل المكوث في المنزل، أو المكوث بعد وقت قريبً من طبيبه المعالج أو المستشفي التي يعالج فيها، وذلك العليل يكره أيام الإجازات والأعياد لأنه لن يمكن عليه الوصول إلى طبيبه ويكره الليل ايضاًً لذلك الداعِي، فهو لا يطمئن سوى لو كان بإمكانه الوصول إلى الطبيب في أي لحظة، خاصة أن الوضعية تفاجئه بلا تحذير ماضي ولا يمكن التنبؤ بحدوثها.
وهناك العديد من التقنيات النفسية لعلاج مثل تلك الحالات نذكر منها على طريق المثال:
1 - الدواء المعرفي: حيث يتم استطلاع الأفكار والتصورات المرضية المتعلقة بالحالة من أجل تصحيحها واستبدالها بأفكار وتصورات صحيحة. ففي حالات نوبات الهلع، يفسر العليل أي إحساسات أو متغيرات جسدية على أنها أشياء خطرة بشكل كبيرً ويمكن أن تؤدي إلى وفاته، فمثلاً أي مبالغة في عدد ضربات الفؤاد أو ضيق في الصدر أو صقيع في الأطراف يفسر على أنها إشارات الوفاة. لهذا من النافع للغايةً أن يتعلم العليل كيف تنشأ الأعراض، وأن تلك الأعراض متعلقة بالحالة النفسية وليست مرضاً خطيراً بالفؤاد أو الصدر أو المخ، وأن النوبة تأخذ وقتاً معيناً ثم تنتهي من تلقاء ذاتها وأنها لا تشكل تهديداً لحياته بأي شكل. فإذا استوعب العليل تلك الحقائق على نحو مبسط واستدعاها من ذاكرته متى ما داهمته النوبة فإن هذا يخفف كثيراً من حدتها.
2 - الراحة والسُّكون: وحين يتعلم العليل إحدى تقنيات الراحة والسُّكون ويبدأ في ممارستها (بجدية وانتظام)، فإن هذا يخفف كثيراً من درجة الاضطراب المصاحبة والمدعمة للحالة، فضلا على ذلك أن العليل يشعر بأنه اكتسب التمكن من إحكام القبضة على ذاته.
3 - تدريبات التنفس: تتم سرعة في التنفس خلال نوبة الهلع، وذلك على الارجح يقود إلى حدوث بعض الأعراض المزعجة للعليل مثل الإحساس بالدوخة أو فقدان الوعي. لهذا فإن العليل إذا استطاع أن يتدرب على ترتيب تنفسه، فإن هذا يساعده على إحكام القبضة على عديد من الأعراض المزعجة خلال النوبة. ومن الجهة البيولوجية، فإن هناك الكثير من العقاقير التي استخدمت بنجاح في عديد من الحالات مثل مضادات الاكتئاب ثلاثية الحلقات مثل الإميبرامين(تفرانيل) والكلوميبرامين(أنا فرانيل)، ومانعات استرداد السيروتونين النوعية (SSRI) كالسيتالوبرام(سيبرام) والفلوكستين(لو سترال مودابكس)، ومانعات استرداد السيروتونين والنورأدرينالين SNRI مثل الـ"فينلا فاكسين"، (إفيكسور) وغيرها. ويضاف إلى هذا بعض المهدئات الصغرى مثل الـ"ألبرازولام" (زاناكس – زولام – برازولام).
وهناك عامل هام في الدواء، وهو أن يعيد العليل ترتيب حياته بما يقوى من استقرار جهازه السيكولوجي كعامل تدعيمي ووقائي ونذكر هنا بعض الأمثلة:
1 - المراجعة في مركز الأولويات والاحتياجات.
2 - إرجاع ترتيب مشاهدة الموضوعات وإعطاء كل شيء حجمه وحقه.
3 - فعل عملية تصالح داخلية (مع النفس) وأفقية (مع الناس) ورأسية (مع الله).
4 - إرجاع مركز الصلات الاجتماعية بما يكفل حدوث ترابط اجتماعي يمنح الإحساس بالأمن والتدعيم.
5 - إحياء المنحى الروحي في النفس عن طريق نسق اعتقادي وبرنامج عبادات ومعاملات صحي يعيد التوازن والاستقرار إلى النفس؛ فالإنسان يحمل في تكوينه الهلع، ومع ذلك هناك مثبطات لذلك الهلع إذا أخذ بها الإنسان بلغ إلى وضعية النفس المطمئنة، وهي موجة من التوازن والتناغم الصحي مع النفس ومع الآخر ومع الكون وحالة من الأنس بالله تختفي معها كل مهيجات الهلع.